كتب / عبدالله حسن ال قاسم
الثلاثاء 11 يوليو 2023
على سيارة الأجرة، احتدم نقاش حول ما إذا كان الدجاج المستورد حلال أكله أم حرام ، وانقسم الركاب إلى فريقين وما هي إلا لحظات حتى حسم السائق الجدل حين قال: ” أي شيء تستورده الدولة نأكله ولا حرج” وسعدت حين لم يتمترس أي فريق خلف رأيه متسلحا بنبرة صوت عالية تزعج الركاب المحايدين الذين يرغبون عن نقاشات من هذا النوع و بدا لي أن الركاب اقتنعوا بقوله أو أنهم تعبوا من هكذا نقاشات نحن في غنى عنها في السياسة والرياضة والتي غالبا لا تُحسم بل تترك مفتوحة وقد تتحول إلى تجريح و تعنيف وتقريع، وانبهرت حين أدركت أنّ من الناس من لازال يراجع نفسه فيما يأكل، وتمنيت لو أن مسؤلي هذا البلد والتجار يراجعون أنفسهم في هذا الزمن الذي أصبح التعدّي فيه واضحا على حقوق الله والناس، إذ في سبيل الغاية يتم استخدام أي وسيلة وصح ما قاله أحد الفلاسفة: ” يتم التضحية بزريبة كاملة من أجل الحصول على بيضة فاسدة”، وقد لا يراها هو فاسدة لكنها بمعايير الحلال والحرام و القيم والمبادئ فاسدة لا يستسيغها إلا من اعتاد الحرام! وهكذا تم الضرب بكل القيم والمبادئ عرض الحائط خصوصا من أصحاب السطوة ممن أعمى بصائرهم بريق الدراهم و لكم في القصة التالية- مفتوحة التأويل- عظة وعبرة:
في ذلك البلد المثخن بالجراح وبعد سنوات من الحرب العبثية التي ركلت المواطن خارج نطاق جغرافيا المناطق الصالحة للعيش و بعد أن تلاشى الدور الحكومي الإيجابي واستأثر الهوامير بكل شيء، بقي المواطن فريسة وحوش كاسرة من بني الإنسان لكنهم أشد وحشية من وحوش الغاب.
ففي أغلب المناطق لم تعد للمشاريع الحكومية أثر بعد أن قضت الميليشيات بمختلف انتماءاتها على بعضها، والإهمال الحكومي على بعضها الآخر ، فاستغل المستثمرون أو الانتهازيون هذه الفرصة لاستغلال حاجة الناس للكهرباء والماء في تنمية تجارتهم و تضخيم أرصدتهم، مقدمين خدمات رديئة لكنها باهظة الثمن وسط انعدام البدائل والحلول وهكذا غزت هذه الكائنات مناطق عدة وجنت أرباحا لا حصر لها ولا عدد، و بقيت المنطقة (س) مطمعا لعدة أسباب منها موقعها الصحراوي الذي يُحتّم على قاطنيها اقتناء البدائل دون تفكير، و حالة أغلب الناس المادية التي تعد أفضل نسبيا من مناطق أخرى ، لكنها [ المنطقة ]ما تزال تتمتع بخدمات حكومية لو وجدت مسؤلين غيورين أغنت هذه الخدمات عن البدائل، ولأن التجارة أيضا منافسة وصراع شأنها شأن السياسة فقد سعى الهوامير أو قُل الكائنات إلى إفشال هذه المشاريع لتِخلُ لهم الساحة للتربص بالمواطن الذي يجد نفسه في شهر يونيو ويوليو يتمنى لو أنه يستطيع أن يسلخ جلده ليتخفف من شدة الحر وكانت محاولات هذه الكائنات مستميتة فالجشع لا يقف عند حد، والطمع لا يعرف استكانة وابن آدم يطلب -دائما- المزيد. سبع سنوات ومعاولهم تعمل بضراوة لكن شخص واحد كان يفتتها ويقف حجر عثرة أمام مشاريعهم ولم ينل اليأس منهم فقرروا أن يلقوا بكل ثقلهم ولو كلفهم الأمر نصف ثرواتهم وفي مشهد أخير بعد محاولات دؤوبة اجتمع الهوامير ورصدوا مبلغا كبيرا لتتم رشوة مسؤلين كبار على أن تتم إقالة هذا الشخص وتعيين واحدا منهم، أو شخصا منقادا يستطيعون التحكم به يحافظ على رواج بضاعتهم، وكان لهم ما أرادوا، وما كان منه ترويجا لأهليته أولًا إلا أن حافظ على استمرارية الخدمة أول يومين من استلام عمله كعربون صداقة ظاهرية واستغلال مبطّن ثم ما لبث أن سام الناس العذاب وأخلا الساحة لهذه الكائنات تبيع وتشتري، وغطت بضاعتها [هذه الكائنات] الأسواق ، ولم يجد الميسورون بدّا من شرائها، واصطلى أصحاب الدخل المحدود ممن عجزت ميزانياتهم بحرارة صيف قائظ وتحت درجة حرارة تصل إلى 48° درجة دون أن يرف لهذه الكائنات جفن، أو تدمع لهم عين أو تنتابهم وخزة ضمير …. وأنّى للموتى – موتى الضمائر – أن يحدث لهم هذا … أو يشعرون؟!